نافذتي وأنا
عالمي صغير جداً لن يخطر على بال أحدكم
حياتي كلها تبدأ وتنتهي في غرفتي الصغيرة , وعالمي أراه من خلال زجاج نافذتي..
كثيراً ما كنت أراقب المارة بشغف كبير وأنسج القصص و الحكايا وأضع الأحداث لكل واحد منهم , كثيراً ما كنت أتساءل عن جاري المريض وكيف يجني ماله وهو شخص وحيد بعد أن طلق زوجته.. أفكر في أشياء صغيرة ومضحكة , من سيقدم له الطعام , ومن يغسل ملابسه , أعلم ستقولون مجنونة والمطاعم والمغاسل أليست موجودة؟! ......
أحداث حياتي البسيطة جعلتني أتعلق كثيراً بنافذتي فأصبحت صديقتي التي لا أستطيع الافتراق عنها , كم من الأحداث مرت علي من خلالها .. كالطفل الذي حطم زجاج سيارة جاري .. أخذت اصرخ
حطمهااا
حطمهاااااا
حطمهاااااااااااااااااا
حتى إن والدي جاء مسرعاً ماذا حدث؟ وأنا اصرخ حطمها .. حطمهااا
وأشير إلى النافذة , ولكن للأسف هرب الطفل ولم يستطع والدي أن يمسكه...
كنت قبل أن استلقي على سريري حتى لو كان الوقت متأخراً يجب أن أبعد الستائر قليلاً وأراقب السيارات المارة لبضع ثوان .. - كم هو جميل أن تنظر من خلال نافذتك وترى أنوار السيارات تخترق الزجاج وتضيء غرفتك المظلمة – (قليل من الفلسفة لا تضر) .. حتى أن أبي يستنكر هذا التصرف وأجيبه دائماً بجملتي المحببة " أتفقد أحوال رعيتي" ..
استمر هذا الوضع طويلاً حتى إن عائلتي الصغيرة قد انتقلت لها العدوى قليلاً ..
لكن شجرة صغيرة نبتت أمام جدار المنزل وأخذت تنمو بشكل كبير .. وأخذت تخفي كل يوم شيئاً من معالم شارعي الجميل .... حتى اختفى كل شيء تقريباً.. فلم أعد أرى سيارة جارنا الجديدة ولونها المميز ..
لا أخفيكم سراً لقد مللت تلك الشجرة حتى تمنيت أن تقطع .. كان أبي سعيداً بها جداً فهي تحمي سيارته من أشعة الشمس .. ولكنها كانت بالنسبة لي الكابوس الذي أتمنى أن أستيقظ منه .. ومرت الأيام على هذا الحال .. وفقدت الرغبة في لقاء صديقتي النافذة ... وفقدت معها الكثير من الروح التي كانت تعطيني إياها .. فقد كانت مرآتي التي أرى فيها العالم وأستمتع من خلالها ..
لم أعد أعرف ماذا أفعل حتى جاء أبي في أحد الأيام وهو غاضب قليلاً .. سألته عن السبب أجابني تلك الشجرة كادت تحطم سيارتي .. تساءلت كيف ذلك؟! فقال: لقد انفصل غصن ضخم جداً فكاد يقع على السيارة , لولا أنني تنبهت له قبل أن يقع .. لا أخفيكم شعرت بسعاااادة كبيرة عندما علمت بالأمر وكأن عدواً لي فقد أحد نقاط قوته ,, ذهبت مسرعةً لنافذتي لأرى ما حدث .. لكن سعادتي لم تكتمل فالغصن الذي وقع كان من أسفل الشجرة . ولم يكن لوقوعه أي تغيير في المشهد .. لكن بعد هذه الحادثة قررت أن أشن حرباً على هذه الشجرة التي حطمت عالمي ... وقررت إما أن أقطع الشجرة أو أخرج أنا ...
باءت كل محاولتي بالفشل فأبي رفض قطع الشجرة .. وصارت كل نقاشتنا من وراء هذه الشجرة المتطفلة ... لم أيأس ولكن أجلت الحرب لفترة .. ألا يقال أن الحرب كرٌ وفر .. أخذت أعد الخطط والأفكار للتخلص من الشجرة .. لكن أبي أخذ بالانزعاج من حديثي المتكرر عنها .. فآثرت الصمت!!
نعم ما سمعتموه حقيقة لقد هزمت أمام الشجرة وربحت هي وبقيت شامخة .. عندها قررت أن أتحرر وأخرج وأرى العالم من الخارج ..
لن تصدقوني عندما أقول أن العالم ونافذتي خلفي أجمل بكثير ورؤية الأمور على طبيعتها لها سحرٌ لم أكن أراه وأنا خلف زجاجٍ مقفل ..
لذلك أقول "" شكراً أيتها الشجرة لقد جعلتِ عالمي أجمل""
2008-05-15, 1:28 pm
